حسام حسنى Admin
المساهمات : 63 تاريخ التسجيل : 15/09/2008
| موضوع: البلد يتحكمها عصابه الخميس أكتوبر 02, 2008 8:07 pm | |
| البلد بتحكمها عصابة انتشرت بمصر في السنوات الأخيرة، وتكثفت خلال الشهور الماضية - ظاهرة الحديث عن وجود «مافيا» تحكم وتتحكم في شؤون العباد، وتمتلك القوة إلي درجة تسيير شؤون البلاد والجرأة في مواجهة أجهزة الدولة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية ومع اندلاع أزمة انقطاع المياه بمحافظة كفر الشيخ وخروج الناس إلي الشارع للاحتجاج وقطع الطريق، اتهم المحافظ اللواء صلاح سلامة المدير السابق لجهاز أمن الدولة من سماهم «مافيا» الأراضي بأنهم وراء اندلاع الأزمة، وفي حديث للزميلة «الجمهورية» وفي عنوان مثير اعترف وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي بأنه يواجه «مافيا» المصالح داخل وزارته وخارجها.
لقد أصبح من المألوف والمعتاد في مصر أن يعلن كل مسؤول يواجه مشكلة في القطاع الذي يديره من خلال شاشة التليفزيون الحكومي والفضائيات أو الصحف عن وجود «مافيا» تحاربه وتقاوم تنفيذ مشروعه الوطني!، واعتاد الناس في مصر بدورهم علي ذلك وينتظرونه من المسؤول مع كل أزمة.
ومكمن الخطورة أن هؤلاء المسؤولين لا يتحدثون عن عصابات بالمعني التقليدي وإنما عن «مافيا».. و«المافيا» مصطلح إيطالي يطلق علي عصابات الجريمة المنظمة متعددة الأنشطة والشبكات «عبر القومية»، ولا تقتصر أنشطتها فقط علي التجارة في مثلث السلاح والمخدرات والدعارة وما يرتبط بذلك من أعمال القتل والتصفية والاعتداء علي الملكية العامة والخاصة وغسيل الأموال، وإنما تشتمل أيضاً علي اختراق السلطات وشراء ذمم رجال الحكم والنفوذ والوزراء والصحفيين ورؤساء المؤسسات وكبار المسؤولين في أجهزة الدولة وكبار الضباط في الجيش والبوليس ورجال القضاء وذلك لأغراض توفير مظلة تعتيم وحماية لأنشطتها.
ويزيد الأمر بشاعة كون هذا الكلام يصدر من وزراء في الحكم ومحافظين، ويحتل العناوين في الصحف القومية قبل الحزبية والمستقلة، ومحتوي استجوابات للحكومة يقدمها نواب في مجلس الشعب.. فهناك مافيا الأراضي والعقارات ومافيا صناعة الأدوية ومافيا مواد البناء وحتي مافيا الجامعات الخاصة.. وغيرها.
ويزيد المخاوف والقلق علي مستقبل البلد كون كلام المسؤولين والصحف والنواب - علي مدي السنوات الأخيرة - يوحي بأن هذه «المافيا» وتلك العصابات لا تخشي أجهزة الدولة ولا القانون وأنها أقوي من الدولة وتملك القدرة علي الفعل، من تعطيل السياسة العامة للدولة وعرقلتها حتي إخراج الناس إلي الشارع.. حتي إنه لم يتبق لها سوي الاستيلاء علي الحكم إذا أرادت!
شخصياً أريد أن أصدق الدكتور أحمد نظيف رئيس الحكومة بأن الفساد في البلد «عادي».. ولم يصل إلي هذه الدرجة، فقد وضعت علامة استفهام أمام عنوان هذا المقال باعتباره يطرح تساؤلاً عما إذا كان البلد تتحكم فيه مافيا أو عصابة، لكن ترديد كلمة «مافيا» في كلام المسؤولين والصحف والنواب باعتبارها واقعاً وحقيقة أزال علامة الاستفهام.
في عام ١٩٦٨ وفي أعقاب النكسة اتخذ الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قرارات لمحاسبة بعض القادة في عدد من المواقع في بداية عملية لتصحيح مسار الثورة والحكم، واعترف بأن «البلد كانت بتحكمها عصابة». وربما كانت هذه العبارة - كما قال لي يوماً القطب الناصري والصحفي الكبير الأستاذ أحمد الجمال - وراء خروج الملايين في جنازة عبدالناصر إحساساً منهم بصدقه وطهارته رغم الأخطاء التي شهدتها سنوات حكمه ودفع البلد ثمنها في الخامس من يونيو ١٩٦٧.
في عهد الرئيس عبدالناصر تحدث هو نفسه عن «عصابة»، وفي عهد الرئيس حسني مبارك يتحدث بعض رجاله عن «مافيا»... فماذا تقول التقارير التي يتلقاها الرئيس مبارك من الجهات الرقابية والأمنية عن الأوضاع في الوزارات والمحافظات والمؤسسات التي يتحدث المسؤولون - الذين اختارهم الرئيس - عن وجود مافيا فيها؟، وهل يقولون ذلك للرئيس مبارك أم يقولونه للشعب فقط لأنهم يخشون من غضبه «الوِحش»؟ أم لضمان إخلاء سبيلهم حينما تحين لحظة الحقيقة؟
وفقاً للدستور فإن رئيس الدولة له سلطات وصلاحيات واسعة لتأكيد احترام الدستور وسيادة القانون ورعاية الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها في العمل الوطني، وله أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، ويتولي السلطة التنفيذية ويضع السياسة العامة للدولة ويشرف مع مجلس الوزراء علي تنفيذها، ويصدر اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، والقرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المصالح العامة ومرافق الدولة.
ووفقاً للدستور أيضاً فإن مجلس الوزراء له اختصاصات منها تنفيذ القوانين والمحافظة علي أمن الدولة وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة.
فإذا كان في البلد حديث لا ينتهي عن «مافيات»، في كل قطاع، تنتهك الدستور وتعتدي علي القانون وتهدد سلامة الوطن وتعوق الوزراء والمحافظين عن أداء دورهم بما يهدد المصالح العامة للدولة، وتثير الاضطرابات وتستطيع تعويق وتعطيل تنفيذ السياسة العامة للدولة، وتستطيع أيضاً تحريك الجماهير واحتجاز رهائن، فلماذا لا يتم تحريك هذه الصلاحيات والاختصاصات؟ ولماذا لا يقيل الرئيس المسؤولين الفاشلين في مواجهة هذه المافيات والعصابات؟
وإذا كان الحديث عن مافيا أو عصابة مبررات مبالغاً فيها وغير مقنعة.. فلماذا يستمر المسؤولون في الحديث عن وجودها، ولا ينفيها الرئيس؟ وإذا كان هذا الحديث صحيحاً، فلماذا لا يعلنها الرئيس: «البلد بتتحكم فيها عصابة». ويتخذ القرارات والإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر.
أما لو اكتشف المصريون بعد الرئيس مبارك أن مصر كانت تحكمها عصابة، فسيدخل اللواء صلاح سلامة والدكتور حاتم الجبلي التاريخ من أوسع أبوابه.. عجبي!! | |
|